أخر الأخبار

ما حكم عدم تلبية طلبات الأم ؟

حكم عدم تلبية طلبات الأم


يقول السائل: أثناء طفولته من سن الثانية عشرة إلى سن التاسعة عشرة كانت والدته تكلفه بالذهاب للجزار والمسمط لشراء اللحوم وكان يرفض تلبية طلباتها؛ لأنه كان يكره رائحة المسامط ومشاهدة اللحوم المذبوحة، ثم توفيت والدته إلى رحمة الله تعالى وهو في سن التاسعة عشرة.

ويطلب بيان الحكم الشرعي في ذلك، وما هو الواجب اتباعه الآن بعد أن علمت مدى عقوبة عقوق الوالدين؟

الجواب:
بالنسبة لرفض تلبية طلبات الوالدة المباحة وهو في سن الثانية عشرة إلى سن التاسعة عشرة فهو آثم ومرتكب ذنبا لعدم طاعته والدته في الأمر المباح، فعليه الاستغفار والتوبة عسى الله أن يغفر له ذنبه، وعليه أيضا الدعاء لوالدته بعد وفاتها بالمغفرة والرحمة لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[٢٤]﴾ [الإسراء: 24].

ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم

دار الإفتاء المصرية

حقوق الوالدين وحدّ عقوقهما

إن حقوق الآباء على الأبناء غامضة بحسب نظر الكثيرين، وكثير من الآباء يتطلب الدخول في كل شخصيات ابنه بدعوى هذا الحق المبهم، كما أن جلّ الأبناء يريدون الحرية المطلقة في المعاملات والمجاملات، فوافونا في مجلتكم المنار بما جبلتم عليه، وأرشدونا لكتاب يشفي العليل مع استقصاء الحد للعقوق وحكمة ذلك، وهل للأب أن يأمر ابنه بمقاطعة أحد من المسلمين؛ بدعوى عدائه له؟ والله يحفظكم.

هذا موضوع كبير، لا يمكن بسطه إلا في سِفْر كبير، ويمكن لمن اطلع على الآيات الواردة فيه في سورتي الإسراء ولقمان، وكان فقيه النفس أن يستغني بها في معرفة حقوق الوالدين، فكيف إذا أضاف إليها الأحاديث الصحيحة فيها وفي كون العقوق من أكبر الكبائر، وأمثل كتاب بَيَّن الموضوع بيانًا وسطًا مفيدًا، هو كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر للفقيه ابن حجر، فليراجعه السائل في كتاب النفقات من الجزء الثاني منه.

بدأ الكلام في الكبيرة ص302 وهي عقوق الوالدين بالآيات الكريمة الواردة في الأمر بالإحسان بالوالدين، مقترنًا بالأمر بعبادة الله وعدم الشرك به، وأمره تعالى بالشكر له وللوالدين مقترنين، ثم بالأحاديث في برهما، وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر، ثم بآثار السلف وأقوال بعض العلماء والأدباء في ذلك، ثم تكلم في حد العقوق الذي هو كبيرة، قال: وهو أن يحصل منه لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين عرفًا، ويحتمل أن العبرة بالمتأذي (أي لا بالعرف)، لكن لو كان في غاية الحمق أو سفاهة العقل، فأمر أو نهى ولده بما لا تعد مخالفته فيه في العرف عقوقًا، لا يفسق ولده بمخالفته فيه لعذره.

وعليه لو كان متزوجًا بمن يحبها، فأمره بطلاقها ولو لعدم عفتها فلم يمتثل أمره، فلا إثم عليه)... إلخ، ثم نقل فتوى من شيخ الإسلام السراج البلقيني في الموضوع وعسر تحديده، أي لاختلاف العرف والآراء والشعور والمصالح فيه -وذكر له بيانًا تفصيليًّا لدرجات العقوق ناقشه فيه.

ولعل كل هذا وأمثاله مما ذكره المتقدمون، لا يغني السائل عما فصلناه في هذه المسألة في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36] من سورة النساء؛،لأنهم لا يشرحون ما عليه أصناف الناس المخاطبين بالأحكام في طباعهم وآدابهم، واختلاف معارفهم وشعورهم ومصالحهم، وقد أشار السائل إلى ذلك في سؤاله، فأكثر الوالدين ولا سيما الآباء يظنون أنهم بصفة الوالدية أو الأبوة يجب أن يكونوا أعلم وأعقل وأكيس من أولادهم، وإن تعلم أولادهم من علوم الدين والدنيا ما لم يقفوا على شيء منه، وكانوا أذكى وأكيس منهم في كل شيء، بل يظنون أنه يجب على الولد أن يطيع والده في كل شيء، وإن خالف الشرع والعقل والمصلحة العامة والخاصة والوجدان لأنه والد، كما أن بعض الأولاد في هذا الزمان من لا يقيمون لبر الوالدين وزنًا، ولا يراعون لكرامتهما وشعورهما حرمة، مع أن الله تعالى أوصى حتى بالوالدين المشركين الداعيَين إلى الشرك مع عدم طاعتهما، فقال: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15].

فمن اضطر إلى مخالفة أحد والديه بحق، فينبغي له أن يتلطف ويراعي الذوق والأدب ولا يصادمه بالعنف، ومنه يعلم ما ينبغي له إذا أمره بمعاداة من لا يجوز معاداته شرعًا أو بغير ذلك من المحرمات، ومن المعلوم من الدين بالضرورة قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن علي مرفوعًا.

فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-